هو الأبهی - الحمد للّه الّذی تجلّی فی البقعة المبارکة…

حضرت عبدالبهاء
اصلی فارسی

۵

هو الأبهی

الحمد للّه الّذی تجلّی فی البقعة المبارکة الأرض المقدّسة طور الايمن وادی طوی جبل سيناء علی موسی الکليم و اشرق فی برّيّة القدس وادی المقدّس جبل ساعير البقعة البيضاء و العدوة النوراء علی عيسی المسيح و ظهر فی فاران الحبّ مطلع الانوار مشرق الآثار بطحاء الروح يثرب الاسرار ظهور الضياء فی رابعة النهار علی محمّد الحبيب و لاح و اضاء فی کينونة العلی و ذاتيّة الثناء مصباح الملأ الأعلی النقطة الاولی أفق التوحيد

ثمّ هتک ستر الغيوب و زال الظلام الديجور و انکشفت السبحات المجلّلة علی شمس الظهور و ارتفع النقاب و انشقّ السحاب و زال الحجاب و کان يوم الاياب الموعود فی کلّ صحف و زبر و کتاب أنزله العزيز الوهّاب فی سالف القرون و الدهور و الاحقاب. فاشرق و سطع و لمع و بزغ نور الجمال فی هيکل الجلال و استقرّ الرحمن علی عرش الأکوان و تشعشع و تلألأ شمس الحقيقة علی آفاق الامکان و کانت بهاء السموات و الأرض فی عالم الغيب و العيان.

و البهاء و الثناء و التحيّة و السلام علی حقائق مقدّسة استفاضت من فيض القدم و استشرقت من أنوار سطعت من اسمه الاعظم و علی نفوس مقدّسة انجذبت بنفحات اللّه و استمعت لنغمات الورقاء المغرّدة فی أيک الثناء و اشتعلت بالنار الموقدة فی سدرة السيناء و فازت بيوم اللقاء و شکرت للّه بما أنعم عليها بهذه الفيوضات المختصّة بالنقباء النجباء الّذين لم تأخذهم لومة لائم فی ثبوتهم علی ميثاق اللّه و تمسّکهم بعهد رقم من القلم الأعلی الا انّهم من أولياء اللّه و الا انّهم هم الفائزون

أمّا بعد أيّها السائل الجليل المتوجّه الی الملکوت العظيم اعلم انّ الرؤية فی يوم اللّه مذکور فی جميع الصحائف و الزبر و الالواح النازلة من السماء علی الانبياء فی غابر الازمان العصور الخالية و القرون الأوّليّة و کلّ نبيّ من الانبياء بشّر قومه بيوم اللقاء فارجع الی النصوص الموجودة فی الانجيل و الزبور و التوراة و القرآن قال اللّه تعالی فی الفرقان ”اعلموا انّکم ملاقوه يوم القيامة“ و ايضاً ”قد خسر الّذين کذّبوا بلقاء ربّهم“ و أيضاً ”لعلّکم بلقاء ربّکم توقنون“


و فی حديث مروی من أحد و عشرين من الصحابة انّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله قال ”سترون ربکم کما ترون البدر فی لیلة أربعة عشر“ و قال علی علیه السلام ”رأیت الله و الافریدوس برأی العین“ و أیضا قال ”و رأيته و عرفته فعبدته لا أعبد ربّا لم أره“

مع هذه العبارات المصرحة و النصوص الصریحة و الروایات المأثورة اختلف الاقوام فی هذه المسئلة منهم من قال ان الرؤیة ممتنعة و استدل بالآیة المبارکة و هی ”لا تدرکه الابصار و هو یدرک الابصار و هو اللطیف الخبیر“ و منهم من قال اذا أنکرنا الرؤیة بالکلیة یقتضی انکار نصوص القرآن و یثبت عدم العصمة للانبیاء

فانّ السؤال عن الممتنع المحال لا يجوز قطعيا من نبيّ معصوم و سئل موسی الکليم عليه السلام الرؤية و قال ”ربّ أرنی أنظر اليک“ و العصمة مانعة عن سؤال شیء ممتنع و حيث صدر منه هذا السؤال فهو برهان قاطع و دليل لائح علی امکان الرؤية و حصول هذه البغية

و ما عدا هذا الدليل الجليل عندک دليل واضح مبين و هو اذا فرضنا امتناع الرؤية حقيقة فی عالم الشهود و العيان فما النعمة الالهيّة الّتی اختصّ اللّه بها فی جنّة اللقاء عباده المکرمين من الاصفياء بل امتناع الرؤية انّما هو فی الدنيا و امّا فی الآخرة متيسّرة حاصلة لکلّ عبد أوّاب.

فانّ الکليم عليه السلام لمّا شرب مدام محبّة اللّه و اهتزّ من استماع کلام اللّه و ثمل من سورة صهباء الخطاب نسی انّه فی الدنيا و انکشفت له الجنّة المأوی و حيث انّ الجنّة مقام المشاهدة و اللقاء قال ”ربّ أرنی أنظر اليک“ فأتاه الخطاب من ربّ الارباب انّ هذه المنحة المختصّة بالاصفياء و يختصّ برحمته من يشاء انّما تتيسّر فی اليوم الّذی ترتعش فيه أرکان الأرض و السمآء و تقوم القيامة الکبری و تنکشف الواقعة عن الطامّة العظمی.

هذا ماورد فی جميع التفاسير و التأويل من أعلم علماء الاسرار فی کلّ الاعصار من جميع الاقطار. و امّا جوهر المسئلة و حقيقة الامر انّ اللقاء أمر مسلّم محتوم منصوص فی الصحف و الواح الحيّ القيّوم و هذا هو الرحيق المختوم ختامه مسک و فی ذلک فليتنافس المتنافسون.

فان للحقیقة الکلّيّة و الهويّة اللاهوتيّة الظهور فی جمیع المراتب و المقامات و الشّؤون لانّها واجدة المراتب ساطعة البرهان لامعة الحجة فی کل کیان و هو بکلّ شیء محیط کما قال علیه السلام ”أیکون لغیرک من الظهور ما لیس لک حتّی یکون هو المظهر لک عمیت عین لا تراک“ و قال ”یا من دلّ علی ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته“ لانّ المراتب و المقامات مجال و مرایا لظهور الاسماء و الصفات فظهور الحقّ محقّق فی جميع الشؤون حتّی یکون الوصول الیه فی جمیع المراتب ممّا کان و یکون


و الممکنات ممتلئة من اسرار الاسماء و الصفات و الادراک لا يتحقّق الّا من حيث الصفة و امّا الذات من حيث هو هو مستور عن الانظار و محجوب عن الابصار غيب منيع لا يدرک ذات بحت لا يوصف ”السبیل مسدود و الطلب مردود“

فان الحق من حیث الاسماء و الصفات له ظهور فی جمیع المراتب المترتبة فی الوجود علی النظم الطبیعی و الترتیب الفطری و له تجلیات علی رؤوس الاشهاد فی جنة اللقاء الفردوس الأعلی و الملکوت الأبهی

اذاً فاعلم بانّ الرؤية و اللقاء من حيث الحقيقة الغيبيّة الّتی تعبّر عنها بالغيب الوجدانی لا تدرکه الابصار و هو يدرک الابصار. و امّا من حيث الظهور و البروز و التجلّی و کشف الحجاب و ازالة السحاب و رفع النقاب فی يوم الاياب فالرؤية أمر مشروع موعود فی اليوم المشهود يختصّ اللّه بها من يشاء من أهل السجود الّذين لهم نصيب مفروض من هذا المقام المحمود و البرهان واضح منصوص مثبوت و يشهد به العقول المستوية الربّانيّة الالهيّة. فانّ الفيض لا ينقطع من مرتبة من المراتب و الفضل و الجود لا يحرم منه مقام من المقامات

و بما ان حضرتک الآن مصمّم علی السفر فلم يتيسّر أکثر من هذا الاثر و ان شاء اللّه من بعد هذا عند سنوح الفرصة نشرح لک شرحاً بليغاً تامّاً مستوفياً تنشرح به الصدور و تقرّ به الاعين فی يوم النشور و الآن اکتف بهذا المقدار و توجّه الی الديار وناد باسم ربّک المختار و أحی لناس بالماء النازل من سحاب الاسرار و کن فی کلّ صقع قدوة للاحرار و أسوة للابرار للقيام فی خدمة أمر اللّه العزيز الجبّار.

فيا زائر الروضة المقدّسة الغنّاء خذ نفحة من جنّة الأبهی و اعرضها علی مشام أهل الآفاق حتّی تعطّر برائحة زکيّة محيية للقلوب المنجذبة الی الاشراق و ادع الناس الی اللّه و طهّرهم بماء المزن الهامی المنسجم المنهمر من السمآء و نوّر الوجوه بنور معرفة اللّه و ألبس الهياکل خلع المواهب الّتی ظهرت أنوارها فی ميثاق اللّه.

تاللّه الحقّ انّ الغبراء تهتزّ بنفحات القميص و الخضراء تتنوّر بنور أبدی الاشراق و ينزع الوجود عن هيکله الثوب الرّثيت و يظهر فی أحسن حلل من الجمال علی الهيکل المکرّم العزيز.

حينئذ تمتدّ مائدة السماء و تنزل الرحمة علی الکبراء و الصغراء و تنکشف جنّة الأبهی بأحسن جلوة نورانيّة ساطعة الارجاء لامعة الانحاء متدفّقة الحياض مؤنّقة الرياض غضّة الغياض و تنطلق الالسنة بثناء البهاء و الشکر للعليّ الأعلی سبّوح قدّوس ربّ الملائکة و الروح.

الهی الهی هذا عبدک المستجير بباب رحمتک اللائذ بکهف رحمانيّتک قدّر له کلّ خير بسلطان أحديّتک و نوّر وجهه بانوار ربوبيّتک انّک انت الکريم الرحيم البرّ الرؤف القديم ع ع


منابع
محتویات