الحمد للّه الّذی اشرق بنوره الأرض و السّماء و اهتزّت…

حضرت عبدالبهاء
نسخه اصل فارسی

١٩

الحمد للّه الّذی اشرق بنوره الأرض و السّماء و اهتزّت بنفحاته رياض التّقديس المؤنّقة فی قلوب الأصفيآء و سطع نوره و تغبغب فی وجه السّمآء فظهرت و لمعت و اشرقت و لاحت انجم نورانيّه فی الأفق الأعلی و استفاضت و استشرقت من فيوضات ملکوت الأبهی ثمّ افاضت علی خطّة الغبرآء فکانت نجوم الهدی.

و الحمد للّه الّذی جعل هذا العصر المجيد و القرن الجديد معرضاً لظهور حقائق الأشيآء بما فاض غمام الجود و ظهر مواهب الرّبّ الودود و استضآء الغيب و الشّهود و ظهر الموعود و لاح جمال المعبود.

و الصّلوة و السّلام و التّحيّة و الثّنآء علی الحقيقة الجامعة و الکلمة التّامّة و الکتاب المبين و النّور المشرق من العلّيّين الهادی للأمم المنوّر للعالم ففاض طمطام فيضه علی الوجود و قذف امواجه درارياً نورآء علی ساحل الشّهود فحصحص الحقّ و زهق الباطل و ظهر النّور و شاع السّرور و الحبور فتقدّست بها النّفوس و تنزّهت بها الأرواح و انشرحت بها الصّدور و صفت بها القلوب و لطف بها الأفئدة و طابت بها الضّمائر و طهرت بها السّرائر حتّی تحقّق يوم النّشورو احاط الطاف ربّک الغفور و التّحيّة و الثّنآء علی تلک النّجوم النّورانيّة السّاطعة اللّامعة فی فلک العلی کواکب منطقة بروج ملکوت الأبهی و عليهم البهآء.

و بعد ايّها الرّجل الکريم و المستنبئ من النّبأ العظيم قم علی خدمة ام اللّه بقوّة نافذة من ملکوت الأبهی و نفثات من روح الملأ الأعلی و لا تحزن بما ينطقون المرجفون من کتبة الجرائد و الفريسيّون فی حقّ البهآء تذکّر ايّام المسيح و ما اصابه من القوم و ما اصاب الحواريّين من المحن و الآلام فانتم احبّة جمال الأبهی فلابدّ تقعون لحبّه تحت ملام القوم و يصيبکم ما اصابهم فی القرون الأولی ثمّ تتلئلأ وجوه المختارين بانوار ملکوت اللّه علی ممرّ القرون و الأعصار بل تعاقب الأدهار و المنکرون فی خسران مبين کما قال سيّد المسيح سيعذّبونکم القوم لأسمی.

فذکّرهم بهذا و قل لهم انّ المسيح مع وجهه الصّبيح و جماله المليح قاموا عليه الفريسيّون و قالوا انّه المسيخ و ليس بمسيح لانّه ادّعی الالوهيّة العظمی و الرّبوبيّة الکبری و قال انا ابن اللّه و انّ الأب ظاهر باهر بجميع شئونه و کمالاته فی حقيقة ابنه الوحيد و ربيبه المجيد و قالوا هذا کفر و افتراء علی اللّه بنصوص قاطعة واضحة فی العهد القديم فبناء علی ذلک افتوا بسفک دمه و علّقوه علی الصّليب و کان ينادی يا ربّی الحبيب الی متی تترکنی بين يدی هؤلآء ارفعنی اليک و اجرنی فی جوارک و اسکنّی عند عرش عظمتک انّک انت المجيب و انّک انت الرّحمن الرّحيم ای ربّ ضاق علیّ رحيب الغبرآء و الصّليب حبيبی حبّاً بجمالک و انجذاباً الی ملکوتک و اشتعالاً بالنّار الموقدة فی صدری الملتهبة بنفحات قدسک ربّ ايّدنی علی الصّعود و وفّقنی علی الورود و الوفود علی عتبة قدسک يا ربّی الودود انّک انت الرّحمن ذو الفضل و الجود و انّک انت الکريم و انّک انت الرّحيم و انّک انت العليم لا اله الّا انت المقتدر القدير.

و لم يجتسر الفريسيّون علی هذا البهتان العظيم و الذّنب الجسيم الّا لجهلهم حقيقه الأسرار و عدم مشاهدتهم للأنوار و ملاحظه الآثار و الّا صدّقوا بکلماته و شاهدوا آياته و عرفوا بيّناته واستظلّوا فی ظلّ راياته و اطّلعوا باشاراته و فرحوا من بشاراته .

ثمّ اعلم انّ الحقيقة الرّحمانيّة الّتی تعبّر بغيب الغيوب و مجهول النّعت و المنقطع الوجدانی قد تقدّس عن کلّ ذکرو بيان و اشارة و نعت و ثنآء و من حيث هی هی عجزت العقول عن ادراکها و تاهت النّفوس فی تيه عرفانها لا تدرکه الأبصار و هويدرک الأبصار و هو اللّطيف الخبير.

و لکن اذا نظرت الی حقائق الأشيآء و هويّة الکائنات تنظر آثار رحمة ربّک فی کلّ الأشيآء و سطوع انوار اسمائه و صفاته فی حيّز الوجود بشهود لا ينکره الّا کلّ جهول و عنود حيث تری انّ الکون منشور ناطق باسرار المکنونة المصونة فی اللّوح المحفوظ و ما من ذرّة من الذّرّات اوکائنة من الکائنات الّا ناطقة بذکره حاکية عن اسمائه و صفاته منبّئة عن عزّة کبريائه مدلّة علی وحدانيّته و رحمانيّته و لا ينکرهذا کلّ من له سمع او بصر او عقل سليم.

و اذانظرت الی الکائنات بأسرها حتّی الذّرّات تری انّ اشعّة شمس الحقيقة ساطعة عليها ظاهرة فيها تحکی عن انوارها و اسرارها و سطوع شعاعها فانظر الی الأشجار و الی الأثمار و الی الأزهار حتّی الأحجار اما تری انوار الشّمس ساطعة عليها و ظاهرة فيها ومنبّئة عنها.

ولکن اذا عطفت النّظر و حوّلت البصر الی مرآة صافية نورانيّة و مجالی لطيفة ربّانيّة تری انّ الشّمس ظاهرة فيها بشعاعها و حرارتها و قرصها و صنوبرها ولکنّ الاشيآء انّما لها نصيب من نورها و تدلّ عليها و امّا الحقيقة الکّليّة النّورانيّة و المرآة الصّافية الّتی تحکی بتمامها عن شئون مجلّيها و تنطبق آثارها علی آثار الشّمس الظّاهرة فيها فهی الحقيقة الکلّيّة الأنسانيّة و الکينونة الرّحمانيّة و الذّاتيّة الصّمدانيّة قل ادعوا اللّه او ادعوا الرّحمن ايّا ما تدعوا فله الأسمآء الحسنی.

هذا معنی قول المسيح الأب فی الأبن فيا هل تری اذا قالت المرآة الصّافية انّ الشّمس ظاهرة فیّ بجميع شئونها و صفاتها و آثارها
هل يُکذّب فی قولها اويُنکَر فی بيانها لا و الّذی خلقها و انشئها و ابدعها و جعلها حقيقة منطبقة لشئون مجلّيها فسبحان من ابدعها و سبحان من انشئها و سبحان من اظهرها.

فهذا قول المسيح الّذی تفوّه به و اعترضوا به عليه حيث قال انّ الأبن فی الأب و الأب فی الأبن فاعلم ذلک و اطّلع بأسرار ربّکو امّا هؤلآء المنکرون فی حجاب من الحقّ فلا يرون و لا يسمعون و لا يفقهون ذرهم فی خوضهم يلعبون و دعهم فی کلّ وادٍ يهيمون اولئک کالأنعام حيث لا يفرّقون بين اللّؤلؤ و الخزف و الا انّهم لفی معزل من اسرار ربّک الرّحمن الرّحيم.

و انّک انت استبشر بهذه البشارة الکبری و قم علی اعلآء کلمة اللّه و نشر نفحات اللّه فی تلک الأقطار الشّاسعة الأرجآء و اعلم انّ ربّک يؤيّدک بقبيل من الملأ الأعلی و جنود من ملکوت الأبهی تتری و تصول علی جنود الجهل و العمی ستری انّ الأفق الأعلی انتشرت منه بارقة الصّباح و احاطت علی الآفاق و محقت الظّلمآء و زالت اللّيلة اللّيلآء و لاحت الغرّة الغرّآء و اسفرت البيضآء ساطعة الفجر علی الأنحآء يومئذ يفرح المؤمنون و ينجذب الثّابتون و يفرّالمرجفون و ينعدم المتزلزلون انعدام الظّلام عند تلئلأ الأنوارفی الأسحار.

و عليک التّحيّة و الثّنآء

الهی الهی هذا عبدک النّورانیّ و رقيقک الرّحمانیّ قد اقبل اليک و وفد عليک و وجّه وجهه اليک و اقرّ بوحدانيّتک و اعترف بفردانيّتک و نادی باسمک بين الأمم و هدی القوم الی معين رحمانيّتک يا ربّی الأکرم و سقی الطّالبين کأس الهدی الطّافحة بصهبآء موهبتک الکبری.

ربّ ايّده فی جميع الشّئون و علّمه سرّک المصون و انثر عليه لؤلؤک المکنون و اجعله علماً يتموّج بارياحتأييدک علی اعلی القصور و عيناً نابعة بالمآء الطّهور.

و نوّر القلوب بضيآء سراج ينشر النّور و يظهر حقائق الأشيآء لاهل الفضل و الجود بين خلقک يا ربّی الغفور.

انّک انت المقتدر القادر المهيمن العزيز الکريم و انّک انت الرّبّ الرّحيم *

منابع
محتویات