تذكرة الوفاء - جناب الحاج عبدالرحيم اليزدي

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

جناب الحاج عبد الرحيم اليزدي – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

﴿ هو الله ﴾

ضمن المهاجرين والمجاورين، كان جناب الحاج عبد الرحيم اليزدي، هذا الشخص النفيس، من أهالي مدينة يزد واشتهر بالزهد والتقوى والتقديس والتعبّد وصالح الأعمال بدرجة لا يجاريه فيها أحد وعرفه أهل بلدته بعظيم تمسّكه بالديانة الإسلامية ومواظبته على تأدية الفرائض وانكبابه على العبادات آناء الليل وأطراف النهار. لا يضارعه أحد في سلامة النيّة والحلم والرحمة والإخلاص. ولما كان عظيم الاستعداد قال: "لبيك" بمجرد استماعه للنداء من الملكوت الأعلى وصوت طبل، أَلَسْتُ (ألستُ بربّكم قالوا: بلى) وجذبه إشراق نيّر الآفاق بالكلّيّة فقام دون محاباة غير هيّاب ولا وجِل على هداية أفراد أسرته ومعارفه واشتهر بإيمانه بالظهور المبارك في مدينة يزد فنفر منه علماء السوء وحقّروه وأصبح مورد أذاهم مغضوبًا عليه من أهل النفس والهوى. ولما ثارت حفيظتهم ائتمروا به ليقتلوه وصبّ عليه أرباب الحكومة سياط الجور والجفاء وأذاقوا هذا الشخص سليم النيّه أنواع العذاب والأذى ما استطاعوا، طورًا بالضرب بالعصي وطورًا بالجلد وكانوا لا يفتئون يزجرونه ليل نهار فحمله ذلك على مبارحة مسقط رأسه وهام في البيداء وقطع الفيافي والقفار وطوى الوهاد والوديان إلى أن وصل إلى الأراضي المقدّسة بعد أن أنهكه التعب وأضناه السغب حتى ظنّ كل من رآه أنه على وشك الموت لِما اعتراه من النّحول وشديد الوهن. ولما رآه، وهو على هذا الحال، جناب الملا محمد علي نبيل قائن سافر توًا من حيفا إلى عكاء وطلب إليّ أن أعمل على إحضار الحاج عبد الرحيم المذكور إلى عكاء لأنه لا يقدر على الحراك بل إنه يعالج سكرات الموت. فطلبت من نبيل قائن أن يمهلني حتى أذهب إلى القصر المبارك وأطلب الإذن بحضوره من الساحة المقدّسة. فرجاني أن يكون ذلك بسرعة مخافة موت الحاج عبد الرحيم قبل وصوله إلى عكاء لأن مراده أن يلفظ نَفَسَه الأخير في عكاء نفسها ويفوز بهذه الموهبة العظمى. فذهبت توًا والتمست له الإذن من الحضور المبارك ولما تمّ ذلك أحضرناه ورأيناه في حالة لا تمتاز عن حالة النزع يحملق بعينيه ولا يقوَ كلامًا. وما لَبِثَ أن دبّت فيه روح حياة جديدة من عبيق نفحات السجن الأعظم وسَرَت في بدنه، من شدّة شوقه للّقاء، روح حياة جديدة. وفي صبيحة اليوم التالي وجدته في كمال الروح والريحان وطلب مني المثول بين يدي نيّر الآفاق فأجبته أن ذلك موكول للإذن من الساحة المقدّسة وستحظى بهذه العناية إن شاء الله. وبعد أيام قلائل صدر له الإذن بالتشرف وما أن وصل إلى المحضر المبارك حتى انتعش وشعر بالحياة. ولما عاد من الزيارة كانت تلوح عليه علائم الصحة التامة والعافية وما كاد جناب نبيل قائن يراه حتى بهت وقال: "نعم إن هواء السجن (عكاء) يَهِب الأحباء الصميمين حياة جديدة".

وبالإجمال، إن الحاج عبد الرحيم قد أمضى أيامًا في جوار الساحة المقدّسة ناعم البال منشرح الصدر، مبتهجًا مسرورًا، صارفًا أوقاته في التذكر وتلاوة الآيات بكل إمعان، مواظبًا على العبادات، قليل الاختلاط بالناس. وما انقطعتُ عن ملآقاته أبدًا وكنّا نأتيه بالطعام الخفيف على المعدة واستمر ذلك إلى أن وقع صعود حضرة المقصود، فاشتعلت بين ضلوعه نيران الحسرة، وعلا نحيبه وأنينه، ولم يجف الدمع من مآقيه، محترق الفؤاد يتحرك حركة المذبوح. واستمرّ أيامًا على هذا الحال، يسأل الله، في كل أنّاته، مفارقة هذا العالم الترابي لعدم مقدرته على تحمّل فراق المحبوب.

وفي النهاية انتقل إلى العالم الإلهي (عالم الأنوار) وتمتّع في محفل تجلّي العزيز الغفار. عليه التحية والثناء! وعليه الرحمة الكبرى ونوّر الله مضجعه بسطوع الأنوار من ملكوت الأسرار.

المصادر
المحتوى
OV