تذكرة الوفاء - جناب آقا ميرزا محمد خادم المسافر خانه

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

جناب آقا ميرزا محمد خادم المسافر خانة – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

إن الشاب الإلهي، جناب آقا ميرزا محمد خادم المسافر خانة، هو من أهالي أصفهان ومن المهاجرين والمجاورين. وقد اشتهر وهو في ريعان شبابه بين العلماء بأنه حاضر الذهن، شديد الذكاء، وكان من ذوي البيوتات، محترمًا بين القوم، نجيبًا فطنًا مجدًا ومجتهدًا في تحصيل العلوم والمعارف وعلى قسط وافر من العلوم والفنون المتنوعة والمعقول والمنقول، وكان فضلاً عن كل هذا، متلهفًا إلى الارتواء من مَعين أسرار الحقيقة طالبًا لمعرفة الأحدية، ولم يطفئ زلال العلوم والفنون والمعارف، حرارة عطشه مع شدّة بحثه وتنقيبه في مجالس العلماء والفقهاء، إلى أن تحقق كل ذلك وظهر السرّ المكنون والرمز المصون لائحًا واضحًا فتعطرت مشامه من نفحة جنة أوراد الأبهى وتنور قلبه وروحه بسطوع أشعة شمس الحقيقة فوصل الحوت الظمآن إلى عين الحياة وعكفت الفراشة المشتاقة المتهافتة على الشمعة الموقدة فأحيت البشارة الكبرى روح ذلك الطالب الصادق واستنار قلبه بضياء نور صبح الهدى وأوقدت فيه نار المحبة بدرجة جعلته يعوف هذا العالم وما فيه من نعيم موفور وراحة كبرى وأخيرًا هرع إلى السجن الأعظم (عكاء).

كان هذا الشخص في أصفهان يعيش في هناء ورفاه ورخاء مسرورًا قرير العين غير أن شوقه للّقاء حفزه على التخلص من كل قيد وقطع المسافات البعيدة غير عابئ بما لآقاه من وعثاء الطريق والمتاعب ومشقة الأسفار واستتب به الرحيل إلى الهدوء والسلام في السجن الأعظم، وقام على عبوديته للجمال الأبهى وداوم على خدمة الأحباء وبعد أن كان مخدومًا أصبح خادمًا، وأصبح عبدًا بعد أن كان سيّدًا، وأسيرًا بعد أن كان قائدًا، لم يذق للراحة طعمًا في كل آناته. وأصبح كهفًا لجميع المسافرين ومؤنسًا عديم النظير للمجاورين يعمل فوق طاقته جائش الحميّة في محبة الأحباء واكتسب محبة المسافرين والمجاورين ورضاهم ساكتًا صامتًا حال تأدية خدماته.

واستمر على هذا الحال إلى أن وقعت المصيبة الكبرى فانهار بنيان صبره واستقراره وأحرقت نار الفراق قلبه، فكان لا يهدأ ليلاً ولا نهارًا مضيئًا كالشمعة المشتعلة فأثرت فيه شدة الالتهاب ووصلت ناره إلى قلبه وكبده فخارت قواه ولم يعد يتحمل ما هو فيه فجنح إلى التضرع والتبتل ليل نهار متمنيًا أن يطير إلى عالم الأسرار ويقول: "رب أدركني، أدركني من هذا الفراق وجرعني كأس الوصال، وأجرني في جوار رحمتك يا رب الأرباب" إلى أن أدركه الحال فطار إلى العالم العلوي غير المحدود. هنيئًا له هذه الكأس الطافحة بموهبة الله، مريئًا له هذه المائدة التي هي حياة للقلوب والأرواح. متّعه الله بالورود على الورد المورود، ورزقه الحظ الموفور من الرفد المرفود.

المصادر
المحتوى
OV