تذكرة الوفاء - الحاج جعفر التبريزي وإخوانه

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

الحاج جعفر التبريزي وأخواه – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

كان للحاج جعفر التبريزي، الذي كان من جملة المهاجرين والمجاورين، أخوان هما الحاج حسن والحاج تقي، وكان هؤلاء الثلاثة كالنسور الطائرة أو كالنجوم البازغة المضيئة بنور محبة الله وأشعة أنوارهم بادية من أفق إيمانهم وإيقانهم.

أما الحاج حسن فكان من المؤمنين السالفين استضاء ولمع بأنوار فجر الظهور منذ بزوغه، وكان فطنًا شديد الوله والانجذاب. سافر وانتقل بعد إيمانه إلى كل بلدة وقصبة في إيران تؤثر أنفاسه في قلوب المشتاقين حتى وضع الرحال في العراق. وفاز بشرف المثول بين يدي حضرة المحبوب وبمجرد مشاهدة أنوار الجمال انجذب إلى ملكوت الجلال فهام ووله واستنار وأنار ثم أُمر بالرجوع إلى إيران. ولما كان بائعًا جوالاً حمل سلعه متنقلاً من بلدة إلى أخرى ثم عاد إلى العراق للمرة الثانية فازدادت شعلة اشتياقه للجمال الأبهى حتى أصبح، وهو في دار السلام، في غاية الانجذاب ثملاً بصهباء الوصال واستمرّ على سفراته بين دار السلام وإيران لا يفكر إلا في ترويج الأمر وإعلاء كلمة الله ولم يكن يعبأ بأمور تجارته، ثم وقع في مخالب اللصوص وجردوه من سلعه وأصبح صفر يدين وكان يردد قوله: "إن حملي أصبح خفيفا". فانقطع عن كل علقة بهذه الدنيا ووصل انجذابه إلى حد الجنون وغدا مفتون جمال محبوب العالمين واشتُهر بين الخلق بالمجذوب إذ كانت تصدر منه حالات غريبة. مثلاً تراه أحيانًا يجالس الناس ويحادثهم في مسائل التبليغ ببيان فصيح مستشهدًا بالآيات والأحاديث المناسبة للمقام مع الأدلة العقلية والحجج الدامغة حتى إن سامعيه كانوا يقرّون برجاحة عقله ورزانته وسعة اطّلاعه. وكنت طورًا تراه من فرط انجذابه قد عيل صبره فيقوم ويرقص من شدة طربه، وكان طورًا يغني بصوت مرتفع ويترنم بالأشعار بأبدع الألحان وطورًا تراه يبتدع أنواعًا من الأغاني. وفي أواخر حياته، اقتصر على مصاحبة المدعو – جناب منيب – وصار يجالسه ويؤانسه وكان يجمعهما تناغم الأفكار والألحان في الروح والجنان.

ومختصر القول، إنه بعد أن سافر الأحباء من بغداد رحل إلى أذربيجان وأخذ في نشر النفحات بنعرة – يا بهاء الأبهى – غير هيّابٍ ولا وجِل فتصدّى له جماعة من الملحدين الذين اتحدوا مع بعض آقاربه وأخذوه إلى حديقة هناك وبدءوا يستدرجونه في الحديث وكان يجيب عن أسئلتهم دون تستّر كاشفًا لهم الحجاب عن كل ما يتعلق بالظهور الأعظم ببراهين قاطعة بأفصح العبارات مستشهدًا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمأثورة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام برهانًا على ما يقول. وكان كلما أتم حديثه أخذه عامل الشوق والوله فيأخذ من شدة انجذابه في الغناء بألحان شجية أمام الحاضرين، وينشد الأشعار بخصوص هذا الظهور دون تلعثم أو انتظار، مما أثار حفيظة الملحدين من الأعداء فتجمعوا عليه وأوسعوه ضربًا حتى فارق الحياة ثم قطعوا جسده إربًا إربًا وطمروه في التراب.

كان هذا الشخص الطاهر عديم النظير، قد جذب أخاه الحاج محمد جعفر إلى أنوار الجمال وقد فاز هذا الأخ بالتشرف بلقاء نيّر الآفاق في العراق واشتعل بنار محبة الله وكان بائعًا جوالاً مثل أخيه المرحوم واتفق أنه كان في إيران حال رحيل الجمال المبارك من بغداد إلى عاصمة مملكة الإسلام (إسلامبول) وما أن بلغ حضرته أرض السر حتى جاء ذلك الأخ مع أخيه الأخير – الحاج تقي – إلى أدرنه من أذربيجان واستأجرا بيتًا وسكناه إلى أن كانت نتيجة أعمال الأعداء إرسال الجمال المبارك إلى السجن الأعظم – عكاء – ومنعت الحكومة الأحباء عن مرافقة حضرته وقصدت بذلك أن يسافر الجمال المبارك ولا يكون في معيته غير أفراد أسرته وذويه، فلما شعر بذلك الحاج حسن المذكور لم يستطع صبرًا وجزّ حلقومه بموسى حاد ففزع القوم وهالهم هذا العمل بدرجة لا حدّ لها. ولما شاهدت الحكومة ذلك (يعني أن أهل البهاء لا يستطيعون الحياة بعد سفر محبوبهم) أجازة سفر الجميع في معيّة الجمال المبارك وكل هذا كان ببركة الحركة التي أبداها الحبيب الذي جُزّ حلقومه. ثم خاطوا الجرح ولم يكن هناك أمل في التئامه ونقلوا الجريح إلى المستشفى بأمر الجمال المبارك مؤكدين له بأنه سيحضر إلى عكاء بعد شفائه فاطمأن قلبه ثم سافر جمال القدم ومن معه إلى السجن الأعظم ولم يمض أكثر من شهرين إذ جاء جناب الحاج المذكور مع أخيه إلى قلعة عكاء وانضمّا إلى المسجونين من أهل البهاء فأخذت شعلة اشتياقه في الازدياد آنا غُبّ آن حتى إنه كان يسهر ليله حتى السحر يتلو الأنجية وعيناه تذرفان الدمع من شدة البكاء حتى سقط ذات ليلة عن سطح الثكنة فكانت القاضية وصعدت روحه إلى ملكوت الآيات.

أما أخوه النوراني – الحاج تقي – فكانت أحواله وأطواره تتشابه مع ما كان لأخيه المرحوم جعفر بالضبط غير أنه كان أكثر سكونًا وعاش بعد أخيه منفردًا صامتًا في غرفته. وكان يجلس في كمال الأدب واتفق أنه بينما كان على سطح بيته مشغولاً بتلاوة الآيات إذ به يسقط خلف الدار وبالبحث عنه وجدوه فاقد الوعي. أما سبب وقوعه فلم يُعلم، أكان عمدًا أم سهوًا. ولما أفاق من غشيته قال: "إنني كرهت البقاء ولذا رجوت الفناء لأني لا أحب البقاء في هذا العالم ولو دقيقة واحدة وأرجوكم أن تدعوا الله أن يكون لي ذلك حتى أفارق هذه الدار."

هذا شرح حال الأخوة الثلاثة الذين كان كل منهم نفسًا مطمئنة راضية مرضية مشتعلة منجذبة طاهرة مقدسة ولذا فارقوا هذا العالم وهم في غاية الانقطاع إلى الله والتوجه إليه والإيقان به ودخلوا الملكوت الأعلى. ألبسهم الله خِلع الفضل والإحسان في ملكوت الغفران وأغرقهم في بحار رحمته إلى أبد الآباد وعليهم التحية والثناء.

المصادر
المحتوى
OV