تذكرة الوفاء - جناب آقا محمد باقر وآقا محمد إسماعيل

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

جناب آقا محمد باقر وآقا محمد إسماعيل – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

إن جناب آقا محمد باقر وآقا محمد إسماعيل، هما من الذين زُج بهم في سجن عكاء في سبيل الله، وهما أخوا المرحوم پهلوي رضا، ويشتغلا بمهنة الخياطة. هاجرا من إيران إلى أرض السرّ (أدرنه) واستظلا في ظل العناية الرحمانية، ثم سافرا إلى عكاء صحبة الجمال المبارك.

أما أخوهما المرحوم پهلوان رضا، عليه الرحمة والرضوان وعليه البهاء الأبهى وعليه التحية والثناء، فكان شخصًا عاريًا عن رداء العلم، مشتغلاً بالتكسب لوقوعه في الفاقة كسائر أهل العشق الإلهي، وأخيرًا خلع رداء الحياة وطار إلى أوج العرفان الأعظم. إنه كان من المؤمنين السابقين. ومع قلة بضاعته قد أدهش أهالي كاشان بما كان يتدفق من فيهِ من البيانات حتى بُهتوا وتملكتهم الحيرة. وقد ذهب ذلك الشخص الأمي، في الظاهر، ذات يوم إلى المدعو الحاج كريم خان، في مدينة كاشان، وسأله قائلاً: "يا جناب الخان، هل أنت الركن الرابع؟ أفدني لأني متعطش لعرفان الركن الرابع لأني أحب أن أكون من عارفيه". ولما كان في محضر الخان المذكور جمع من الأمراء السياسيين والعسكريين، أجاب بقوله: "أستغفر الله، إنني بريء من كل من ادعى أنني الركن الرابع، وأنا لا أدعي ذلك، ومن روى عني مثل هذا الادعاء فهو كذاب أشر وعليه لعنة الله". ثم زاره پهلوان رضا للمرة الثانية بعد أيام قلائل وقال له: "إنني قد تصفّحت (مؤلّفكَ) الكتاب المعروف ب‍‍‍ إرشاد العوام كله، وعلمت منه أنك من الواجب المفروض معرفة الركن الرابع. وأنك، والحقيقة هذه قد ساويته بنفس الإمام صاحب الزمان، ولهذا أرجوك كل الرجاء أن تعرّفني إياه وأين هو، وإني أكرر رجائي أن تدلني عليه". فاشمأز الحاجي المشار إليه وقال: "إن الركن الرابع ليس شخصًا موهومًا بل شخص معلوم ومعروف كشخصي وأنا لابس عمامتي وفوق ظهري عباءتي وعصاي في يدي". فتبسّم پهلوان رضا وقال: "عفوًا يا جناب الحاجي، إن أقوالك متناقضة، إذ قلتَ لي في المرة الأولى شيئًا والآن تقول شيئًا آخر". فحنق الحاجي جدّ الحُنق، ثم قال: "ليس لدي الآن متسع من الوقت، وسنتكلم في هذه المسألة في وقت آخر فاعفني الآن". والمقصود أن هذا الشخص، پهلوي رضا، وإن كان في الظاهر أميّا غير أنه كان مصداق ما قاله العلام الجلّى قد أوقع الركن الرابع في الركن الرابع وألزمه الحجة وحيّره.

ومختصر القول، إن فارس الميدان وغضنفر العرفان هذا (پهلوي رضا) كان كلما حرّك لسانه في المحافل أدهش المستمعين، وكان ملجًا للاجئين، ومساعدًا للطالبين، واشتهر باسم الحق في جميع الآفاق. ثم ترك الرخيص والغالي وصعد إلى الملكوت الأبهى.

أما أخواه العزيزان، فقد وقعا أسيرين في يد الأعداء، ودخلا في عداد المظلومين في السجن الأعظم. وأما هو فقد أسرع إلى الملكوت الأبهى بينما كان في حالة الانقطاع الكلي، وكمال الانجذاب وذلك في أول أيامنا في عكاء التي كان هواؤها في ذلك الحين مسمومًا، حتى جعل كل وارد عليها عرضة للمرض وملازمة

فراشه، وما لبثت الأمراض أن نشبت أظفارها في كل من جناب محمد باقر وآقا محمد إسماعيل ولم يكن هناك وجود للأطباء والعلاج. وصعد هذان النوران المجسمان إلى عالم الأبدية في ليلة واحدة حاضنيْن بعضهما البعض، فتحسّر عليهما الأحباء جدّ التحسّر وبكاهما الكل ليلة صعودهما.

ولما أتيتُ في الصباح لآخذ الرفاتيْن المطهريْن للدفن، حال دون ذلك الحراس وقالوا: "لا يجوز لأحد منكم الخروج من القشلة (الثكنة) فأعطونا الرفاتين حتى نغسلهما وندفنهما وعليكم دفع التكاليف". ولسوء الحظ، لم يكن لدينا ما ندفعه للمصاريف، بل كانت هناك سجادة موضوعة تحت قدمي الجمال المبارك الذي تكرّم حضرته، روحي له الفداء، برفعها من تحت قدميه بغية بيعها وإعطاء ثمنها للحراس لتجهيز الرفاتين ودفنهما. ثم بعنا السجادة المشار إليها بمائة وسبعين قرشًا وسلّمنا هذا المبلغ للحراس، فما كان من هؤلاء الظالمين إلا أن واروا الرفاتين بثيابهما دون غُسلٍ في قبر واحد. ولما كانت روحاهما متحدتين في الملكوت الأبهى، فجسماهما أيضًا يحتضنان بعضهما تحت الثرى.

كانت عناية الجمال المبارك بشأن هذين الحبيبين لا حدّ لها، إذ كانا مشموليْن بالألطاف طوال أيام حياتهما وقد جرى القلم الأعلى بذكرهما في الألواح المباركة بعد وفاتهما.

أما قبراهما ففي عكاء. عليهما التحية والثناء وعليهما البهاء الأبهى وعليهما الرحمة والرضوان.

المصادر
المحتوى
OV