تذكرة الوفاء - آقا إبراهيم الإصفهاني وإخوانه

حضرة عبد البهاء
مترجم. اللغة الأصلية الفارسية

آقا إبراهيم الأصفهاني وإخوانه – تذكرة الوفاء – آثار حضرة عبدالبهاء

﴿ هو الله ﴾

كان في عداد المهاجرين والمجاورين آقا إبراهيم الأصفهاني عليه التحية والثناء. كان يقيم مع أخوته الثلاثة، آقا محمد صادق وآقا حبيب الله وآقا محمد علي، في دار عمهم المفضال جناب آقا محمد رضا، الشهير بالعريض، يعيشون كطيور المحبة في عش واحد مثالاً للمحبة، وكالورد في اللطافة وفي لين العريكة لا مثيل لهم. ولما شرّف الجمال المبارك العراق سكن في دار مجاورة لدارهم، لذا كانوا يرونه عند عبوره ومروره وقد شُغِفوا بحبه وجذبهم السلوك المبارك رويدًا رويدًا وبهرتهم طلعة محبوب الآفاق، فأصبحوا متشوقين إلى زلال الهداية طالبين للألطاف والعناية. وما أن وصلوا إلى باب دار المبارك وهم كشقائق النعمان تتلألأ وجوههم من الأنوار الساطعة من الجبين المبارك، حتى أنهم جُنّوا بطلعة جمال المحبوب. وما لبثوا أن انكشف عنهم الحجاب دون أن يتبلّغوا الكلمة وفازوا بمقصود القلب والروح. وبعد ذلك أمر جمال القدم المدعو ميرزا جواد الترشيزي أن يذهب إلى دارهم قصد تبليغهم، فصدع المومى إليه بالأمر. وبمجرد إلقاء الكلمة عليهم أذعنوا للأمر دون تردد لاستعدادهم العجيب، مصدآقا لقوله تعالى في القرآن: "يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور". يعني أن دهن الاستعداد لديهم اشتعل حين القرب والاقتراب من مقصود القلوب والأرواح ولو لم تصله النار؛ أي أن الاستعداد والقاتبلية للهداية تصل إلى درجة تسطع فيها نور الهداية دون إلقاء الكلمة. حقًا، أن هؤلاء النفوس الزكية كانوا في غاية الثبوت والاستقامة والتوجه لحضرة الأحدية.

أما الأخ الأكبر، جناب آقا محمد صادق، فقد سرى بجوار الركب المبارك من العراق إلى القسطنطينية فإلى أرض السرّ وقضى أيامًا في سرور وهناء ورَوْحٍ وريحان في جوار حضرة الرحمن. أما حِلمه وسلامة طويّته وصبره وشكره لله فحدّث عنها ولا حرجٍ، فكنت تراه دائمًا هشًا بشًا مسرور القلب والفؤاد بروح منجذبٌ إلى طلعة المحبوب. وبعد مدة، أذن له بالعودة إلى العراق، حيث تقيم عائلته، وصرف معظم أيامه في ذكر الله ولم يفكر في غير الحق سبحانه. ولما نشبت في الأحباء مخالب الامتحانات وشدة البلوى، دخل الأخوة الأربعة وعمهم الطاهر في عداد الأسرى وسيقوا بكل قسوة وظلم واعتساف إلى الحدباء (الموصل) حيث وقع عمهم آقا محمد رضا، ذلك الهرم النوراني ذو القلب الروحاني والفكر السبحاني والمخلص المحض، في براثن الاحتياج والفاقة والإعسار الشديد دون باقي الأسرى، بعد أن كان في العراق من ذوي اليسار هانئ العيش وفي رفاهية تامة. فعاش في الحدباء عيشة ضنكا غير أنه لبس جلباب الصبر شاكرًا لله راضيًا بقضائه، وعكف على حمد الله وشكره ليل نهار إلى أن سلّم روحه لباريها وتخلّص من قيود هذا العالم الفاني وطار إلى العالم اللامحدود. أغمسه الله في بحار العفو والغفران، وأدخله في جنة الرحمة والرضوان، وأدخله في فردوس الجنان.

أما جناب آقا محمد صادق، فقد عضّه الإعسار بنواجذه في سبيل الله في الحدباء أيضًا. غير أنه لم يركن إلى الهلع والجزع، بل عاش مطمئنًا بنفس راضية مرضية إلى أن لبّى دعوة رب العزة إذ ناداه بقوله تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".

أما آقا محمد علي، فقد أتى إلى العتبة المباركة من الموصل بعد أن فكّ من الأسر، وبقي حتى الآن في سرور وابتهاج في البقعة المباركة ولو أنه كان في عسرة.

أما الأخ إبراهيم المومى إليه، فقد نزح من الحدباء إلى عكاء واشتغل بالتكسب في ضواحيها بكمال السكون والقناعة والصبر على مضض العيش والبلايا، ولكنه بعد صعود حضرة المقصود، أخذ يتقلب على نيران الفراق وأخذ منه الهمّ والغمّ كل مأخذ وهو لا يفتأ يذكر الحق بكمال التذلل والانكسار والتوجه إلى الله. ولما بلغ من الكبر عتيَّا ووهن منه العظم، جاء إلى حيفا ونزل في المسافر خانة وأمضى أناء ليله وأطراف نهاره في ذكر الله والتضرع والتبتل إليه وقد اعتراه الانحلال في الأعضاء من التوغل في الشيخوخة، وبالآخرة خلع قميص الجسم الفاني وطار عُريانًا إلى ملكوت الرحمن وانتقل من العالم الظلماني إلى الفضاء النوراني مستغرقًا في بحر الأنوار. نوّر الله رمسه بسطوع الأنوار، وروّح الله روحه بنفحات العفو والغفران، وعليه الرحمة والرضوان.

أما آقا حبيب الله، فقد كان ضمن الذين أسروا في العراق أيضًا وأُرسلوا إلى الموصل (الحدباء) وآقام بها زمنًا في خشونة من العيش وكمال القناعة. ولم يقلّل ذلك من قوة إيمانه مع وجود القحط والغلاء الفاحش في الحدباء خاصة على الغرباء. كانت قلوب الأحباء مطمئنة بذكر الله، يسدّون رمقهم بالغذاء الروحاني الذي يشفي غلة الأرواح، ويأكلون من الطعام الرحماني الذي يشبع القلوب من السغب. ولهذا قد تردّى الجميع برداء الصبر والتحمل والجلد العجيب، حتى احتار أهل الحدباء في أمر هؤلاء الأحباء وكانوا يقولون، كيف أن هؤلاء الغرباء لم يعترهم الشتات أو الارتباك مما أصابهم من جراء القحط والغلاء وهم فقراء وتراهم ليل نهار حامدين الله شاكرين. وإن تعجب فَعُجْب ما هم عليه من الهدوء والاطمئنان.

وخلاصة القول، إن جناب آقا حبيب كان له نصيب موفور من التحمل والصبر على الشدائد، وكان قلبه في غاية البهجة والسرور أليف العزلة عظيم الشغف بالحق.

كان جميع أسرى الحدباء مذكورين في الحضور المبارك على الدوام، وكانوا مورد الألطاف التي لا تحصى. وبعد عدة سنين انتقل آقا حبيب إلى جوار الرحمة الكبرى، واتخذ له عشًا على أفنان سدرة المنتهى مشتغلاً بتسبيح الرب الكريم وتقديسه بالألحان البديعة في جنة النعيم.

المصادر
المحتوى
OV